recent
أخبار ساخنة

أسم الله اللطيف ج2

 اللطيف الجزء الثاني 

ولما شاء اللطيف أن يعيد موسى عليه السلام إلى أمه لم يجعل حرباً تقوم يتزعمها ثوار بني إسرائيل ضد طغيان فرعون يعود بعدها المظلومون إلى سابق عهدهم، لا.. بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليب المرضعات!

بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمه بعد أن صار فؤادها فارغاً!

ولما شاء اللطيف أن يخرج رسولنا عليه الصلاة والسلام ومن معه من عذابات شِعب بني هاشم لم يرسل صيحة تزلزل ظلم قريش، فقط أرسل الأرَضَة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات التحالف الخبيث! فيصبحون وقد تكسرت من الظلم العُرى، بحشرة لا تكاد ترى!!

تنام فيحب أن تقوم تصلي بين يديه، فيرسل ريحاً هادئة تحرك نافذتك، أو طفلاً من أسرتك يمر ويحدث ضوضاء بجوار غرفتك، أو حاجة شديدة في شرب شيءٍ من الماء، فتستيقظ وتنظر إلى الساعة، وبعد دقائق تكون واقفاً على السجادة تناجيه ولا تعلم أنه هو من أيقظك!

تخطط لمعصيته، تخرج ليلاً، تفاصيل الخطة محكمة، فجأة تمر سيارة من بعيد، فتشك أنت أن أحدهم يراقبك، فتنغّص تلك السيارة المارة فكرة الذنب لديك، فتبرد إرادتك وتعود إلى بيتك، ولا تعلم أنه هو من صرفك بلطفه عن معصيته!

ولا بد للطيف أن يكون عليماً، فكيف يكرمك ويمن عليك ويهديك بلطفٍ من لا يعلم مكامن هذا اللطف؟

يقول الشيخ السعدي: "وهو اللطيف الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك البواطن والخبايا".

ها هي رؤيا من أعظم رؤى البشرية يراها يوسف عليه السلام وهو في حالة تقول كل مؤشراتها الطبيعية باستحالة تحققها! يحكي رؤياه فيقول:
(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).

تأويل الرؤيا أن أباه وأمه وأخوته الأحد عشر سيسجدون له إكراماً له!!

كيف وأبوه نبي كريم، كبير في السن، ولا تقضي معهودات الأمور أن يكرّم الصغير الكبير، وأخوته يكرهونه فكيف سيسجدون له، بل إن كرههم دفعهم لإلقائه في البئر..
لكن اللطيف سبحانه يقدر الأقدار، ويصرف الأمور ويخرجه من السجن، ويجعله في منصب رفيع، ثم يقدّر القحط على البلاد، ثم يأتي بإخوته في ثياب الحاجة، وما تزال أقدار اللطيف تلتف  لتحقق تلك الرؤيا القديمة، فيعجب يوسف لسجود والديه وإخوته ويقول:

(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي).

هذا اختصار للطف الذي سيطر على المشهد ثم يضع التوقيع النهائي فيقول: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ).. نعم إنه اللطيف إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه بكامل اللطف وتام الخفاء، حتى أنه ليقع ما يستحيل في العادة ألا يقع! لأنه الله اللطيف الخبير.

تأمل حبة الخردل.. إنك لا تكاد تراها إن لم تكن محدقاً فيها: انظر إلى حجمها بالنسبة لكفك، ثم بالنسبة لحجم الغرفة مثلاً، ثم بيت، ثم قارن حجمها بدولتك، ثم بالأرض، ثم بالسموات الفسيحة، ثم ثق: إن أرادها الله فسيأتي بها: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
وإننا بعد هذا الإبحار الهادئ مع هذا الاسم العظيم، والذي لم نأت إلا على شيء يسير من معناه، وبقي من خبايا معناه ما أتركه لفهمك وتأملك ورجوعك لكتب أهل العلم فيه.
وبعد هذا الإبحار، ألا يستحق هذا اللطيف أن تحبه؟ أن تتأمل عطاياه؟ أن تزيد في قلبك من ذكره ومراقبته ورجائه وخوفه؟

أن تعيش مع هذا الاسم أياماً.. تدعوه به، وترقب ألطافه، وتفيض عيناك لرؤية خفي هداياته وهداياه؟

قل في خشوع: يا خفيّ الألطاف.. نجّنا مما نخاف.

 

Reactions:
أسم الله اللطيف ج2
عالم الصحة والجمال والمال

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

    بحث هذه المدونة الإلكترونية

    Translate

    google-playkhamsatmostaqltradent